يقال إن: "مَن وطئت قدماه أرض شيآن، دخل في تاريخ الصين." نعم، فكل مرة عندما تتجه من مطار شيآن الدولي إلى داخل المدينة، ستلقي نظراتك إلى تلك القبور الضخمة لأموات العائلات الإمبراطورية القديمة، وهي تتناثر هنا وهناك على جانبي الطريق. والطريق السريع يمتد بينها مثل نفق زمني يدخل في خواطر تاريخية، ويوصلك أخيراً إلى مدينة قديمة وحديثة، غنية بالرواسب التاريخية والمكدسات الثقافية، لا تعرف التوقف عن التحرك ليلاً ونهاراً .. ألا وهي مدينة شيآن.
شيآن، اسمها الماضي " تشانغآن" عبارة عن "السلام الدائم"، تقع في وسط مقاطعة شنشي وحاضرة المقاطعة حالياً. اتخذتها 12 أسرة ملكية عاصمة لها خلال الفترة ما بين القرن 11 قبل الميلاد وأواخر القرن 9 بعد الميلاد. كانت مركزاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً في الصين القديمة، ونقطة البداية لطريق الحرير القديم المشهور. كانت في الفترة ما بين عهدي أسرة هان وأسرة تانغ ( من عام 206 قبل الميلاد إلى عام 907 الميلادي ) مركزاً للاتصالات والتبادلات الخارجية، ومدينة دولية كبيرة إذ زاد تعداد سكانها عن مليون نسمة. " روما في الغرب وتشانغآن في الشرق "، قول مأثور يدل على مكانتها التاريخية في العالم. وصارت اليوم هي وأثينا والقاهرة وروما، العواصم الحضارية القديمة الأربع في العالم.
وترك التاريخ كنزاً أثرياً تحت كل بوصة من أرض شيآن. ومدينة شيآن اليوم قائمة على أطلال حضارة ممتدة لآلاف السنين. حصلت تماثيل الجنود والخيول على تسمية "الأعجوبة الثامنة العالمية"، كما أدرجت مقبرة الإمبراطور الأول شي هوانغ دي في قائمة " التراث العالمي " بوصفها المشروع الحضاري القديم الأول في الصين. وتعد أسوار شيآن الحالية المبنية في عهد أسرة مينغ ( من عام 1368 إلى عام 1644 ) أعظم وأكمل قلعة قديمة من القلاع المحفوظة جيداً في عالم اليوم. هذا وتثير حفريات المقبرة لأحد أباطرة أسرة هان ( من عام 206 قبل الميلاد إلى عام 220 الميلادي ) هزات في الأوساط الأثرية.
حفظت في بانبوه داخل شيآن أطلال حضارة الإنسان العائدة إلى 6000 سنة. وحفظت في متحف غابة الأنصاب أكثر من ثلاثة آلاف قطعة من الأنصاب الحجرية لمختلف العصور. ومتحف شنشي التاريخي تجمع فيه أكبر الذخائر الثقافية عدداً في الصين. وباغودة دايان هي مكان كان الراهب الكبير شيوان تشوانغ في عهد أسرة تانغ يترجم فيه الأسفار البوذية التي جاء بها من الهند. وقام في زقاق (( هواجياو )) أقدم مسجد إسلامي في شمال غرب البلاد. هذا وعلى مقربة من المدينة، ينتشر عدد من المقابر المشهورة القديمة، منها مقبرة الإمبراطور الأصفر الذي يقال إنه الجد الأول للصينيين ومقبرة الإمبراطور وودي من أسرة هان ومقبرة وو تسه تيان الإمبراطورة الوحيدة في الصين وزوجها لي تشي من أسرة تانغ ( من عام 618 إلى عام 907 ). وفي معبد فامون تقدس "ساريرا " وهي رماد الجثة المحروقة لمؤسس البوذية ساكياموني.
1 2 3 4 5 6