CRI Online

الوريث لفن صنع آلة لوشنغ الموسيقية لقومية مياو موه يان شيويه

cri       (GMT+08:00) 2014-04-17 10:13:45

 

تقع قرية بايكا، التي يقطنها أبناء قومية مياو، في تلال مقاطعة قويتشو في جنوب غربي الصين وتشتهر بين أبناء قويتشو بإنتاج آلة لوشنغ الموسيقية، التي تصنع من أعواد الخيزران. يوجد في القرية، نحو مائة مصنع لوشنغ منذ أكثر من خمسة أجيال.


السيد موه يان شيويه -الوريث لفن صنع آلة لوشنغ الموسيقية لقومية مياو

موه يان شيويه، البالغ من العمر اثنتين وستين سنة، واحد من أبناء بايكا الماهرين في صناعة لوشنغ. في السابعة عشرة من عمره، بدأ يتعلم من والده أصول الصنعة التي مازال يمارسها حتى الآن. خلال السنوات الطويلة المنصرمة، كان السيد موه حريصا على تطوير وصقل مهاراته وتطوير تصاميم جديدة لهذه الآلة، بحيث تصدر أصوات نغمات ذات نوعية أفضل ومدى أوسع. وبفضل إنجازاته الكبيرة، تم اختياره في عام 2007 ضمن أول مجموعة متوارثة للتراث الثقافي المعنوي وحمايته على مستوى الصين.

آلة لوشنغ الموسيقية مشهورة بين أبناء الأقليات القومية، مثل مياو وياو ودونغ في جنوب غربي الصين. يكنّ أبناء قومية مياو مشاعر خاصة تجاه هذه الآلة وأنغامها التي لا تنفصل عن حياتهم. فهي تُعزف خلال اللقاءات الودية وفي مناسبات الزفاف والأفراح والأعياد والنشاطات الكبيرة الأخرى في حياتهم. وهي أيضا أداة تاريخية تم تناقلها وتوارثها جيلا بعد جيل عبر الموسيقى والغناء. ولهذا السبب، يحرص كل فرد تقريبا من أبناء هذه القومية على حمل آلة لوشنغ.

من أوقات السمر خلال الشتاء إلى أعمال القرية تتميز قرية بايكا ببيوتها بنية اللون المبنية على "ركائز" قوية، والمنتشرة على سفوح التلال ويمر من تحتها نهر رقراق فوقه جسر يربط بين أرجائها. وتتهادى نغمات مزامير لوشنغ طوال اليوم في أنحاء القرية، من عازفٍ يتمتع بيومه أو صانع يسعى لضبط الآلة وإيقاعاتها.


العزف على آلة لوشنغ في مناسبات الأعياد ومواسم الفراغ الزراعي

يقع المنزل الخشبي الجديد للسيد موه في مدخل القرية. وفي باحة المنزل، يدير ورشة يساعده فيها ولداه. آلة لوشنغ التي تصنع في بايكا نوعان، الأول هو ما يقدم هدايا تذكارية للسياح، والثاني هو ما يستخدم في العزف خلال العروض المتخصصة. وتركز ورشة موه أساسا على صنع النوع الثاني.

وقال السيد موه إنه خلال السنوات الماضية لم تكن عائدات من صنع وبيع لوشنغ يلبي الاحتياجات المعيشية لأي فرد في بايكا. وكان معظم زبائن هذه الآلة من الفلاحين المحليين الذين يشترونها للعزف عليها خلال الأعياد ومواسم الفراغ الزراعي. وكان الطلب على لوشنغ قليلا ولذلك فإن العائد قليلا لا يكفي لسد الرمق.

لكن الوضع قد تغير، فقد زاد الدخل وصار لدي السكان المحليين مزيد من الأسباب للراحة والترفيه، ورافق ذلك زيادة اهتمام عشاق الموسيقى في الصين بالآلات الموسيقية للأقليات القومية. توسع الطلب على آلة لوشنغ من داخل الصين، بل ومن خارجها، فأجر السيد مو حقله الزراعي لغيره وكرس نفسه هو وعائلته لصناعة هذه الآلة الموسيقية.

وكما هو الحال مع كافة أدوات التراث الثقافي، فإن صناعة لوشنغ تحتاج إلى وقت طويل. قال السيد موه إن عملية صنع آلة لوشنغ تتطلب أكثر من ستين خطوة، أكثرها جهدا هو تنعيم عود الخيزران المجوف، وأهمها من الناحية التقنية صنع لسان المزمار. يتولى ولداه وزوجة أحد أبنائه مهمة إعداد أعواد الخيزران وأنبوب النفخ، بينما يتولى موه المهمة الأساسية وهي صنع لسان المزمار وضبط نغماته، لتنطلق منها النغمات بأفضل صورة ممكنة.

هذا الفنان الماهر حريص جدا على اختيار المواد الخام التي يستخدمها في صناعة مزاميره. فهو يجمع النواقيس والأجراس البرونزية ويكسرها ويذيبها ويعيد تشكيلها إلى رقائق صغيرة، يُطعّم بها الخيزران المستخدم في صنع آلة لوشنغ. وقال إن لسان المزمار الجيد يستطيع أن يهز خمسين مرة بنقرة خفيفة. وإذا لم يبلغ هذا المدى، فيجب إعادة تشكيله. في كل يوم يجلس موه بجانب النافذة ينظف الخيزران وينعمه بطريقة تقليدية. يضع أمامه عصا خشبية قوية يستخدمها كمسند يساعده في تنعيم الخيزران حتى يصير أملس كالزجاج. خلال حياته المهنية الممتدة لأربعة عقود، جهز موه أربع عصي قوية من هذا النوع. السيد موه يعتبر من الجيل الرابع من عائلته التي تعمل في صناعة وتجارة آلة لوشنغ. وخلال العقود الأربعة المنصرمة، باتت العاطفة قوية بينه وبين لوشنغ، ويرى أن كل جهد وتعب يهون من أجل هذه الآلة التراثية الثمينة. عن صناعة لوشنغ قال: "في البداية، يبدو الأمر صعبا. فحتى قطع الخيزران ليس سهلا، إذ لا بد أن يتم ذلك بدقة عالية حتى لا ينكسر، وبالتالي يذهب الجهد والوقت هدرا، وهو ما حدث معي عندما بدأت لأول مرة."

في الماضي، كان تعلم مهارات هذه الصنعة يتطلب جهدا ووقتا يمتد لسنوات طويلة، بينما طلب السوق عليها ضعيف، ولهذا، كان الشباب يعزفون عن تعلمها ويفضلون الذهاب إلى المدن بحثا عن فرص عمل أكثر عائدا. ولم يكن ابنا السيد موه استثناء من ذلك، مما أشعر الرجل بالقلق من أن تنقرض هذه المهارة. وكانت أمنيته أن يتعلم ولداه حرفته وأن تُنقل من جيل إلى جيل. كان ذلك دافعا له ليبحث عن وسيلة يجعل بها صناعة آلة لوشنغ عملا مربحا.


الأطفال من قومية مياو يعزفون على آلة لوشنغ

تتكون آلة لوشنغ التقليدية من ستة أنابيب طويلة، وتبدو صعبة الحمل والعزف. لذلك، فكر موه في تطويرها، فجعل الأنابيب أقصر وأنعم. بعد هذا التطوير، راجت مزامير لوشنغ بين زوار بايكا. وبعد أن وضع قدمه في السوق، قام بإصلاح لوشنغ فزادت أنابيبه إلى خمسة عشر ثم إلى أربعة وعشرين، مما جعل مدى صوت آلة لوشنغ أكبر ونغماتها أكثر.

حظيت إبداعاته باعتراف عشاق هذه الآلة وخبراء الموسيقى الشعبية، ومنهم خبير موسيقي في الفرقة السمفونية المركزية. وساهمت شهرته في الأوساط الموسيقية في جذب المزيد من السياح إلى بايكا، فترك ولداه عملهما في المدينة وعادا لمساعدته. وقال موه أنه في البداية، رفض أبنائه تعلم هذه الصنعة. والآن أصبحا أفضل مني فيها. أشعر بالارتياح لأنني وجدت وارثين مهرة.

حرص السيد موه أيضا على تعليم بناته هذه المهارة، وكسر بذلك تقليد تعلم الذكور فقط لها وبفضل ذلك، ساهمت الفتيات في تحسين الأوضاع المالية ومستوى معيشة عائلاتهن.

كان تدشين المطار الدولي في قوييانغ، حاضرة قويتشو، عام 1997 فاتحة خير على بايكا، ففي تلك السنة تسلمت بايكا طلبات لسبعة آلاف آلة لوشنغ. قال موه: "من أجل تلبية هذه الطلبات، دعوت كافة أبناء القرية لإنتاج الآلات، وتبادلت خبراتي مع جميع المهرة في هذا المجال. في النهاية، حصل كل فرد منهم على ثمرة جهده، وأصبح الكثير من الناس يرغبون في العمل بهذا المجال."

بعد اختياره موروثا رسميا لهذا التراث الثقافي غير الملموس على المستوى الوطني، أصبح السيد موه شخصية مشهورة وتسعى إليه وسائل الإعلام المختلفة، لإجراء مقابلات معه أو للمشاركة في معارض يقيمها. لقد بات نجما معروفا في قريته، التي يقول أبناؤها عنه "مبدع لوشنغ، يسافر إلى أماكن بعيدة بالطائرة."

هذا الاهتمام الذي يحظى به جعله حريصا على صناعة هذه الآلة الموسيقية القومية والحفاظ على مهاراتها التراثية. في إبريل عام 2012، دُعِي موه لحضور معرض للتراث الثقافي المعنوي في ماكاو. عن هذا المعرض قال السيد موه: "كان العديد من زوار المعرض لا يعرفون الكثير عن آلة لوشنغ، لذلك عزفت عليها لأوضح لهم كيف تعمل. هذه الطريقة المباشرة لتعريف الآخرين بثقافة مياو، كانت فعالة وموفقة. وقامت الدوائر الثقافية المعنية في ماكاو بشراء عدة آلات مني بهدف تعليم التلاميذ المحليين كيفية العزف عليها."

آلة لوشنغ رمز لثقافة قومية مياو. ففي تجمعات ومناسبات هذه القومية تعزف الفرق الموسيقى بهذه الآلة وتتعالى الأغاني مصحوبة بالرقصات التقليدية. ويتناقل أبناء مياو مهارات صنع هذه الآلة من جيل إلى جيل دون وجود سجلات مكتوبة حولها، الأمر الذي يجعل من الصعب تطوير هذه المهارات.

ومع انتشار هذه الآلة الموسيقية لمسافات أبعد، سيبقى صوتها خالدا يتهادى في الأسماع، محفزا الأجيال على توارثها وبذل الجهود الدؤوبة من أجل نقلها بأمانة للأجيال اللاحقة.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي