CRI Online

اليشم، حجر أكثر من كريم

cri       (GMT+08:00) 2014-04-24 10:16:59

 

في الصين، رأينا دائما بعض الأشخاص يفركون في أيديهم قطعا من اليشم، بغرض إظهار بريقها الأخاذ. هذه الطريقة في صقل الأحجار الكريمة متأصلة في الثقافة الصينية ضمن مسيرة الصينيين الطويلة لتحسين الذات والارتقاء بالروح.

يقول كونفوشيوس (551-479 قبل الميلاد) هكذا اقترب هذا الحجر الكريم من الوجود البشري: "فاليشم ثمين ليس لأنه نادر، وإنما لأن نوعيته تتفق مع فضائل الشخص النبيل." وقد قال شيوي شن (58-147)، مؤلف "قاموس شوه ون جيه تسي" إن اليشم يتميز تحديدا بخمس سمات تبرز "الفضائل الخمس" التي يجب أن يتحلى بها الشخص الحكيم؟ فلمعان اليشم يمثل الإحسان، وشفافيته تمثل البر، ورنينه يمثل الذكاء، وصلابته تمثل الشجاعة، بينما شكله المستدير يمثل النزاهة.

بدأ استخدام اليشم خلال العصر الحجري الحديث، منذ حوالي ثمانية آلاف عام. ويتميز بصلابته، مثل الماس تقريبا، وكان يستخدم في صنع أسلحة تفرض الاحترام. لمعانه وجاذبيته، دفعت نساء الطبقة الأرستقراطية إلى استعماله كمجوهرات لإبراز جمالهن ومكانتهن. وبميزته الرمزية، كان اليشم كما يقول الحكايات الصينية، يوحد الكائنات الحية في الأرض والسماء، وتبين أنه أيضا كان المادة المفضلة لصنع الأغراض التي استخدمها الشامانيون في طقوسهم للتواصل مع العالم. اليشم كان أيضا من الأحجار الكريمة المفضلة لدى الإمبراطور الذى يعتبر ممثل السماء على الأرض، ويستمد سلطته المطلقة من التفويض الإلهي.

كان اليشم مرتبطا بالخلود. وقد عثر على حلقات من غليون الأفيون مصنوعة باليشم، إذ كان المدخنون يعتقدون أنهم يستنشقون من خلال هذا الجهاز لفائف إطالة العمر. كما كان البعض يأكل مسحوق اليشم كإكسير معتقدين أنه يمنحهم عمرا مديدا. وقد ادعى الكيميائي الطاوي قه هونغ (283-343) أن اليشم يحفظ الجثث من التعفن وأوصى بسد الفتحات التسع لجثة المتوفى بقطع من اليشم. الأكثر إثارة، هو اكتشاف أكفان تتكون من لوحات مصنوعة من اليشم موصولة ببعضها البعض بواسطة خيوط من الذهب، والفضة، والنحاس والحرير، في قبور ترجع إلى القرن الماضي، لأرستقراطيين أثرياء من سلالة الهان، كانوا قلقين على مصيرهم بعد الموت والدفن.

تطور اليشم من حجر مقدس في العصور القديمة، إلى حجر للزخرفة في عهد أسرة تشين (221- 206 قبل الميلاد) و في عهد أسرة هان (206 قبل الميلاد إلى 220 بعد الميلاد). أما في الوقت الحالي، لم

يعد الصينيون يولون اهتماما لقوة اليشم السحرية، ومع ذلك، فإن بعض الأساطير الشعبية تعتقد أن له خصائص علاجية. يُعتقد أن هذا الحجر قادر على تخفيف مشاكل الكلى. إن كلمة "اليشم" (Jade بالإنجليزية) مأخوذة من العبارة الأسبانية "بيدرا دي ايجاده"، التي تعني "حجر الكلى". كما أن الاتصال البارد لهذا الحجر على البشرة يسمح بالاسترخاء والتأمل. وعند وضعه تحت الوسادة، يمنح اليشم الشخص نوما عميقا؛ وإذا وضع على بطن المرأة الحامل، فإنه يسهل الولادة. ويشتهر هذا الحجر أيضا بإيقاظ الحواس. وعند استخدامه كأقراط، يرفع قدرة السمع والتمتع بالموسيقى.

يحتوي اليشم على أكثر من قيمة زخرفية عند الصينيين. ومعظم الذين يرتدون قلادات أو أساور أو أقراطا من اليشم يعتبرونه يجلب الحظ والحماية. ويقال إنه إذا ارتدى شخص جوهرة من اليشم دائما، فإن روح الحجر تمتزج مع "تشي" (الطاقة الحيوية في جسم الإنسان حسب الطب التقليدي الصيني)، فيصبح اليشم أكثر سلاسة وإشراقا، بينما تزداد بنية الشخص الجسدية قوة. وغالباً، ما يتم تناقل هذه "الكنوز من اليشم" من جيل إلى جيل في الأسرة، خاصة من كبار السن الراغبين في حماية أبنائهم من الأرواح الشريرة أو مخاطر الحياة حسب اعتقاداتهم.

وليس من المبالغة أن يوصف اليشم بأنه "كنز" فهناك مثل صيني يقول: "يمكن تقدير الذهب، لكن اليشم لا يقدر بثمن." وبالفعل، عندما تتجول في الصين، من الصعب أن تستوعب مستوى أسعار اليشم. في سوق بانجيايوان للتحف، يتراواح سعر سوار اليشم بين مائة ألف ومائتي ألف يوان، بينما يباع نفس السوار في المتاجر بـثمانين ألف يوان!

ما يجب معرفته، هو أن تركيبة اليشم لا تشمل إلا نوعين فقط من المواد؛ اليشم الصلب (الجاديت) واليشم اللين (النفريت)، ألوانه متعددة. اليشم الصلب الخام يكون شفافا، ولكن في الواقع يظهر بعدد لا حصر له من الألوان الناجمة عن الشوائب في تركيبه البلوري. اللون الأكثر شيوعاً والأكثر شعبية عند الزبائن هو الأخضر الزمردي. أما لون اليشم اللين فهو محدود أكثر، فيمكن أن يكون شفافا، أبيض أو أصفر قليلاً ويوصف لونه بأنه رمادي قليلاً وب"عظم الدجاج".

ومع ذلك، معظم المشغولات اليشمية في المتاجر الصينية مزيفة، ففي بعض الأحيان ينخدع البائع نفسه وسط استياء ودهشة كبيرين. هناك مركبات أخرى، يسهل تصنيعها وصقلها لتباع على أنها يشم حقيقي، مثل حجر السربنتين، حجر الجاسبر، السردوان، العقيق، الحجر الأملس... إلخ. قائمة يجب أن يضاف إليها التقليد المبتذل بالبلاستيك الصلب. توجد العديد من التقنيات لتحديد اليشم الحقيقي من المزيف، مثل تسخين اليشم بين اليدين، وتجريب خدشه بقطعة نقدية، ثم تقريب شعلة للتحقق من ذوبان المادة، التدقيق بالمجهر في تكوينه، واختبار صلابته عن طريق كريستال الكوارتز الحاد، وهذا لا يقدر عليه إلا الخبراء.

غير أن بعض المنتجات المقلدة تكون متقنة للغاية ولا يسهل اكتشافها بالعين المجردة. ومن أجل الحد من هذه الظاهرة، ظهرت منظمات خبراء اليشم المعتمدة من الدولة، مجهزة بمعدات علمية متخصصة، وتصدر شهادات تضمن أن اليشم أصلي. عند التفكير في استثمار كبير في اليشم، من المستحسن استشارة هؤلاء الخبراء.

خلال مزاد علني نظمته دار سوثبي للمزادات في هونغ كونغ، في ربيع عام 2010، بيع ختم من اليشم الأبيض كان ملكا للإمبراطور تشيان لونغ (1711-1799) في عهد أسرة تشينغ (1636-1911) باثني عشر مليونا ومائتين وثلاثين ألف دولار أمريكي، فسجل بهذا رقما قياسيا. هذا المبلغ الخيالي يسلط الضوء على حقيقة أن اليشم الحقيقي لم يعد في متناول المواطنين الصينيين العاديين، وأن المليونيرات من هواة جمع التحف هم الذين يستطيعون شراءه.

وخلافا للذهب، الذي يمكن إذابته وتشكيله حسب الرغبة، من المستحيل تقدير قيمة اليشم بالوزن، لأن كل قطعة فريدة من نوعها ويختلف سعر البيع وفقا لشكل ونوعية ولون الحجر. ولكن ما يمكن تأكيده حقا، هو ارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة، فوفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، زادت أسعاره عشرة أضعاف خلال عشر سنوات. "اليشم أغلى بكثير من ذي قبل"، كما أكدت بائعة في بانجيايوان.

اليشم تجسيد عملي لمقولة إن النادر يكون غاليا. يتم استخراج اليشم اللين من مكامن في مدينة خوتان بمنطقة شينجيانغ. ولكن يجري استنزاف الموارد شيئا فشيئاً، ولهذا اتخذت الحكومة الصينية تدابير للحد من التنقيب الواسع النطاق عن اليشم. أما اليشم الصلب فيُستورد من ميانمار، التي اتجهت إلى الحد من تصدير اليشم الخام، تقديرا لهذه الثروة الوطنية التي يملكونها، وبدلا من ذلك يتم شحذه وصقله هناك ليصدر كمشغولات جاهزة إلى الخارج بعشرين ضعف التكلفة. والنتيجة أن الطلب على اليشم يفوق المعروض منه بكثير. زيادة معدل التضخم وسعر اليشم يقويان يوما بعد يوم المزيد من المستثمرين، الذين تحولوا من الاستثمار في العقارات وسوق الأسهم إلى الاستثمار في اليشم.

وختاما، فإن اليشم، يواجه حاليا خطر الانقراض، وهذا ما يجعل أسعاره ترتفع باستمرار. ولكن إذا كان سوق اليشم في تغير مستمر، يظل عنصر واحد غير قابل للتغيير، ألا وهو شغف الصينيين بهذا الحجر الأكثر من كريم.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي