باتشونغ نصف من الجنة ونصف من الأرض

جبل قوانغوو

مرحبا بكم مجددا في في حلقة اليوم من برنامجنا "السياحة في الصين"، معكم من داخل الأستوديو مشيرة جيوي تشنغ وأسامة مختار.

يقع جبل قوانغوو في شمالي مقاطعة سيتشوان. و"قوانغ" في اللغة الصينية، تعني النور، و"وو" تعني الضباب. اسم هذا الجبل مأخوذ من مناظره، إذ أن الضباب الكثيف يشكل عدة طبقات على قمة الجبل طوال السنة، ويغطي منحدرات الجبل ووديانه وجداوله وشلالاته وأشجاره وصخوره، مما يضفي على مناظر الجبل مزيجا من الغموض والسحر.

فصل الخريف هو أفضل موسم لزيارة جبل قوانغوو، حين يتزين الجبل بلون ورق الشجر الأحمر في كل مكان، ويبدو كأنه عالم من الخيال. كما أن هذا الجبل يتصف بنوع من الأناقة والجاذبية التي تذكر الناس بأبيات الشاعر الأمريكي عزرا باوند: "لا أود أن أتنافس مع أحد، لأنني أعتقد ذلك لا يستحق العناء؛ ما يجذبني هو الطبيعة، ثم الفنون..."

ينتمي جبل قوانغوو إلى سلسلة ميتسنغ الجبلية. وإذا بحثنا عن جبال ميتسنغ في خريطة الصين، فسنجدها تشبه زمردة جميلة ترصّع قلب البلاد. تربط جبال ميتسنغ بين جبال تشنغلينغ في الغرب وجبال دابا في الشرق، وتشكل منطقة انتقالية بين سلسلتي الجبال. وفي الجانب الشمالي لجبال ميتسانغ يوجد سهل هانتشونغ، وفي الجنوب حوض سيتشوان المعروف باسم "جنة الأرض". تلتقي التيارات الباردة من شمالي الصين والتيارات الدافئة من جنوبها في هذه المنطقة، الأمر الذي يعطي هذه المنطقة جوا معتدلا ونباتات متنوعة وأنواعا نادرة من الحيوانات غير العادية، مع نسبة عالية من الغابات تصل لأعلى من 95% في المائة من أرضها، وكل ذلك يجعل جبال ميتسانغ لوحة هائلة جميلة ساحرة للألباب.

يشتهر جبل قوانغوو بعظمته وامتداده الواسع، فالتسلق من سفح الجبل إلى قمته يستغرق حوالي خمس ساعات. وإذا أراد الزائر تفقد الجبل تفصيليا قد تستغرق الرحلة من سبعة إلى ثمانية أيام. لذلك، يزور كثير من السياح جبل قوانغوو عدة مرات، وفي كل مرة، يجدون الجديد والمثير للإعجاب، ويتمتعون بمناظره الفريدة من مختلف الجوانب وفي مختلف الفصول.

يحاول الصينيون وصف ميزة كل جبل بكلمة واحدة، مثلا، يشتهر جبل آمي بأنه "جميل"، ويعرف الجبل الأصفر بأنه "عجيب"، ويشتهر جبل هوا شان بأنه "شاهق"، أما جبل قوانغوو فيوُصف بأنه "أنيق". ومن أجمل مناظر هذا الجبل، الضباب الكثيف الذي يلتف حول هامات الأشجار، ثم يمتد إلى السماء، فيبدو الجبل مثل سُلم يمكن الصعود به إلى السماء.

تتغير مناظر الجبل مع تغير الفصول: حيث تتفتح الزهور فيه في الربيع، وتزداد الأشجار ظلالا في الصيف، ثم يتغير لون أوراق الأشجار إلى الأحمر فتبدو كالنيران في الخريف، أما في الشتاء، فيصبح الجبل هيكلا من الثلج والجليد ويشمخ وكأنه عالم من الفضة واليشم. لكن جبل قوانغوو يختلف عن الجبال الأخرى، خاصة في فصل الربيع، لأن الزهور في الجبل لا تتفتح في آن واحد، بل تتفتح بشكل تدريجي حسب ارتفاع الجبل.فقد تكون الزهور في سفح الجبل في إزهار كامل، بينما الزهور في قمته لم تتفتح بعد.

وفي الخريف، تصبح أوراق أشجار القيقب حمراء. وتعكس هذه الأوراق أشعة الشمس، لتبدو هذه الأوراق كألسنة النار وهي تجمع بين الأحمر القاني والفاتح. وفي ذلك الحين، يصبح الجبل وكأنه بحر أحمر يضطرم بأمواج حمراء مع هبوب الرياح، أو كأنه لوحة زاهية لرسام عبقري يحاول رسم صورة بأجمل لون على الأرض.

وقد تشكل جبل قوانغوو نتيجة للحركة الكاليدونية التي أدت إلى تشكل الجبال. فيمكن القول إن عمر جبل قوانغوو أطول من حوض سيتشوان، وكان مهدا آمنا لنشأة النباتات القديمة. ورغم أن هذا الجبل قد مر بالعصر الكواترنري، أي العصر الجليدي الأخير الذي تعرض فيه للبرد القارس والعواصف الثلجية، ما زال صالحا لنمو النباتات لأنه يقع بين جبال تشيلين وجبال دابا، ويكون الجو هنا دافئا نسبيا مقارنة مع المناطق المجاورة. وحتى الآن، تنمو على جبل قوانغوو بعض النباتات النادرة القديمة.

وبفضل الجو المعتدل، ومعدل تساقط الأمطار الذي يزيد على ألف ومائتي مليمتر كل سنة، ومعدل درجة الحرارة الذي يصل إلى أكثر من 15 درجة مئوية، صار جبل قوانغوو حديقة كبيرة لأنواع من النباتات النادرة والحيوانات الفريدة. وحسب إحصاءات غير رسمية، يوجد حوالي 2300 نوع من الكائنات الحية حاليا بمنطقة جبل قوانغوو، منها مائة وعشرون نوعا من النباتات النادرة المهددة بالانقراض.