|
||
cri (GMT+08:00) 2013-12-30 15:28:29 |
طبع الكتب البوذية
أنشأ يانغ رن شان، ابن مقاطعة آنهوي، دار جينلينغ البوذية للطباعة والنشر، كأول دار نشر في الصين متخصصة لطبع ونشر وتوزيع الكتب البوذية. كانت مهمتها الرئيسية حفر وطباعة الألواح الخشبية للأسفار البوذية (سوترا)، ثم ترتيبها على شكل كتب ونشرها وتوزيعها، وكذلك مواصلة البحوث في الأسفار البوذية. وقد ساهمت دار جينغلينغ كثيرا في إحياء البوذية في الصين الحديثة. في سنوات الحرب والاضطراب، اضطرت دار جينلينغ لنقل مقرها عدة مرات قبل أن تستقر في موقعها الحالي بالعقار رقم 35 في شارع هوايهاي بمدينة نانجينغ في جنوب الصين. في سنة واحد وثمانين وتسعمائة وألف، وبعد أن أتم دراسته في المرحلة الثانوية، التحق ما منغ تشينغ بدار جينلينغ كمتدرب، مع آخرين، على حفر ونقش نصوص سوترا. بعد ثلاثة عقود، لم يبق في هذه الدار من أترابه المتدربين غيره، فقد غادروها جميعا منذ فترة طويلة. في عام 2006، تم إدراج أعمال حفر وطباعة سوترا لدار جينلينغ ضمن التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني في الصين. وفي عام 2009، تم إدراج تقنية طباعة وحفر سوترا الصينية بقائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). في يناير من عام 2013، تم اختيار ما منغ تشينغ ضمن الدفعة الرابعة لورثة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني في الصين.
تقع دار جينلينغ البوذية في ركن منعزل بشارع هوايهاي الصاخب في نانجينغ. على النقيض من البيئة المحيطة بها، تبدو الدار منعزلة، يلفها السكون ويحيطها جو من الغموض. خلال تاريخها الطويل، شهدت الدار العديد من النجاحات والإخفاقات.في سنة 1866 أنشأ يانغ رِن شان دارا للطباعة. ونشير هنا إلى أنه في فترة أسرتي سوي (581-618) وتانغ (618-907) الملكيتين، اكتشف أكثر من ثلاثمائة كتاب بوذي من الكتب البوذية النادرة والقديمة. وفُقِدت تلك النصوص البوذية في اليابان وكوريا ثم أعيدت إلى الصين، وبعد جمعها وطبعها في كتب تم نشرها. في عام 1907، أنشأ السيد يانغ مدرسة "تشيهوان جينغشه" البوذية التي طرح من خلالها المفاهيم الحديثة للتعليم البوذي، وسعى لخلق ظروف مواتية لإحياء البوذية في الصين الحديثة. بعد وفاته، دُفن يانغ رن شان في فناء دار جينلينغ البوذية. وبدعم من عدد من كبار البوذيين، قامت الدار بالعديد من أعمال حفر وطباعة نصوص سوترا البوذية. تتميز منشورات هذه الدار بمحتواها الدقيق ومجموعاتها الكاملة وتخطيطها الواضح للصفحات، وتقنيات النقش الدقيق والجودة العالية، إذ تجمع دار جينلينغ البوذية بين براعة تقنيات الطباعة الخشبية الصينية التقليدية وبين الفن والثقافة البوذية. في فترة الغزو الياباني للصين، دمرت القوات اليابانية في سنة 1037 الألواح الخشبية وبنايات مجمع الدار. في عام 1952، شكلت جمعية شانغهاي البوذية لجنة للحفاظ على دار جينلينغ البوذية، وفي عام 1973، أصدر رئيس مجلس الدولة الراحل شو آن لاي، توجيهاته بإحياء الدار. في عام 1980، استأنفت بالفعل أعمال الطباعة والتوزيع، وحافظت على تقاليدها في الكتب المحفورة يدويا، مع الالتزام بالدقة في حفر ونقش الألواح وفي الطباعة والتجليد وفق الأساليب المتبعة لإصدار نصوص سوترا في كتب.
نقش على الألواح الخشبية
وتضم الدار حاليا أكثر من 125 ألف لوح محفورة للأسفار البوذية، تمّ جمعها من جميع أنحاء البلاد. وتشمل 1500 عمل من الأعمال الكلاسيكية البوذية وعددا كبيرا من الكتب البوذية القديمة القيّمة، فصارت واحدة من دور كنوز الثقافة البوذية في الصين.
بعد 30 عاما من التعلم والتدريب التقينا مع ما منغ تشينغ وتلميذته، الآنسة دنغ تشينغ تشي، في مجمع دار النشر البوذية. السيد ما، الذي يفقد حاسة السمع في أذنه اليمنى، ويعاني من ضعف شديد في السمع في الأذن اليسرى منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره، رفض تعلم لغة الإشارة، وقال إنه يتواصل مع الآخرين اعتمادا على حركات الشفتين. وبالرغم من أنه لا يستطيع التحدث سوى بضع جمل، لكنه عند الحديث عن أسلوب وفنون نصوص سوترا، يتحول إلى شخص آخر، يتطلع لمشاركة أفكاره وتطلعاته، على الرغم من صعوبة التواصل. عندما استأنفت دار جينلينغ البوذية أعمالها رسميا في عام 1981، كان ما منغ تشينغ واحدا من بضعة عشر متدربا التحقوا بها في ذلك العام. نقش نصوص سوترا عمل ليس سهلا. أحد التمارين الأولية التي تدرب عليها السيد ما بعد انضمامه للدار، هو نقش مربعات على الألواح الخشبية حتى يتمكن من جعلها موحدة في الحجم. بعد عام واحد، تمكن من نقش المقاطع الصينية المقلوبة داخل هذه المربعات بدقة مثل الخط في الكمبيوتر. ربما بسبب الصمم الجزئي الذي يعاني منه السيد ما، كان يدرس بجد أكثر من زملائه المتدربين الآخرين. قالت دنغ تشينغ تشي: "إنه ذكي ودقيق. ولأنه لم يكن يسمع معلمه بشكل واضح، كان يراقب كل تحركاته، وبدا أنه سيكون متدربا بارعا". بعد ثلاث سنوات من الدراسة والممارسة، أصبح ما منغ تشينغ مؤهلا للقيام بأعمال حفر نصوص سوترا. بسبب صعوبة العمل والملل منه غادر جميع زملاء السيد ما تدريجيا الدار. ويعتقد ما أن ضعف حاسة السمع لديه جعله مولعا وسعيدا لأقصى حد في تعلم أسلوب نقش الأسفار البوذية، والاستمتاع كثيرا بممارسة الحفر على الألواح الخشبية. عندما سألناه عن مشقة هذا العمل، فتح يديه وقد بدا عليهما التشقق والتصلب، فرأينا إصبعه الرابع بيده اليسرى بنفس طول الخنصر تقريبا. وقد أوضح أن ذلك بسبب حادث تعرض له. تتضمن عملية ترميم وإصلاح الألواح الخشبية المحفورة إصلاح الأجزاء القديمة التالفة لجعلها قابلة للطباعة.
تمتلك دار جينلينغ البوذية 125 ألف لوح خشبي محفور، جميعها من الآثار الثقافية الثمينة. وقالت دنغ تشينغ تشي: "نتعامل معها بأقصى قدر من الرعاية ومحاولة الحفاظ عليها في حالتها الأصلية. نقوم فقط بإصلاح الأجزاء التالفة بشكل خطير من أجل طبع وتوزيع كميات كبيرة منها".
تتطلب عملية إصلاح أي كتلة خشبية جهدا دقيقا. أولا، لا بد من تسوية وتنعيم الجزء التالف خارج الكتلة الأصلية، وتبديله بقطعة من خشب خاص مقاوم للرطوبة والحرارة والعوامل الجوية. ويجب أن تتطابق الرموز بالحجم والشكل مع النسخ الأصلية تماما. وأعتبرت دنغ: أن السيد ما منغ تشينغ هو الوحيد القادر على القيام بهذا النوع من الإصلاح والترميم". إن الإصلاحات التي يجريها للرموز على الألواح الخشبية تبدو صورة مطابقة للأصل في الشكل والمظهر.
ثمانون مقطعا صينيا في اليوم تحتوي ورشة السيد ما على العشرات من الأدوات والقطع المختلفة؛ الحادة، الرقيقة، الطويلة والقصيرة. عند الحفر، يحمل ما اللوح الخشبي بيد ويستخدم الأخرى لعملية الحفر. ويستغرق حفر مقطع واحد وقتا طويلا. وبسبب إجهاد العين، يرتدي ما نظارات طبية على الرغم من أنه مازال في بداية العقد السادس من العمر. يستخدم السيد ما ألواح خشب من أغصان أشجار الكمثرى الغنية بالأوراق. يتم أولا غلي الخشب بمحلول لعدة أيام للتخلص من الآفات وبيض الحشرات وغيرها. المهمة الأكثر صعوبة هي الحفاظ على توازن قوة الحفر، فأي زلة كفيلة بإفساد وتدمير أيام من العمل المضني. ويقول السيد ما إنه يستطيع أن يحفر ثمانين مقطعا في اليوم الواحد، وحتى إن كل لوح يشتمل على أربعمائة مقطع على الوجهين فإنه يمضي حوالي أسبوعين لإنهاء قطعة واحدة. لا يعرف السيد ما عدد القطع التي حفرها خلال الثلاثين عاما الماضية، فقد قال: "لا أعرف تحديدا عددها." الأثاث الموجود في مكتب السيد ما عبارة عن طاولتين خشبيتين ومقعدين ومصباحي منضدة وخزانة خشبية كبيرة. هذا الأثاث موجود منذ أن بني المكتب في الثمانينات من القرن الماضي. وقال: "إن نقش الألواح مهنة شاقة تحتاج إلى الدقة، وتجهد العين بشكل يهدد الصحة. وبسبب انخفاض العائد من هذه المهنة، لا يرغب الشباب في تعلمها." قد تكون هذه المهنة شاقة ومملة للشخص العادي، إلا أنها ممتعة للسيد ما الذي لا يمكنه الاستغناء عنها. قال: "لم أسترح يوما منذ سنوات، ولا أشعر بالراحة إذا انقطعت عن العمل حتى ولو يوم واحد". فنان الحفر الجيد، لا يلزمه أن يبرع ويتمرس في هذه المهارات فحسب، وإنما عليه أيضا أن يتمتع بالقدرة والصبر على تحمل الوحدة.
كنز فريد من نوعه ألواح نصوص سوترا البوذية الخشبية المحفورة توجد حاليا على رفوف مكتبة بالمبنى الحديث ذي الطابقين لدار جينلينغ البوذية. وقال السيد ما إن كل لوح على هذه الرفوف فريد من نوعه. وجميعها من المستحيل تكرارها، حيث لا يمارس هذا العمل في الدار إلا السيد وتلميذته، وبإمكانهما إنجاز حفر أربعة ألواح خشبية فقط في الشهر. هذا يعني أن عمل نسخ مقلدة لجميع الألواح الخشبية يحتاج إلى ألفين وستمائة سنة! بعد أن تم إدراج تقنية نقش وحفر نصوص سوترا لدار جينلينغ للطباعة في التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني، حاولت الدار استقطاب أكبر عدد ممكن من المتخصصين في الحفر على الخشب والتقنيين. لكن، يبدو أن أحدا لا يريد تعلم هذه الحرفة. وبصفته الوريث الوحيد لهذه التقنية، يحاول السيد ما الترويج لها بين الناس المهتمين بالأعمال الحرفية، ولكن ليس معه بالدار سوى تلميذته الآنسة دنغ التي قالت: إنها المتدربة الوحيدة هنا، ولكن أستاذها يريد أكثر من ذلك، وهو يفضل الذكور الذين لديهم خلفية في التعليم العالي". درست الآنسة دنغ الرسم المحفور في المدرسة. وبعد أن اجتازت الاختبارات صارت متدربة على يد السيد ما. قالت: "الراتب هنا بالإضافة إلى الدعم الحكومي، يبدو مقبولا، وهو يكفي لتغطية تكاليف الحياة اليومية". وقال السيد ما: "إن العام الماضي ضمت فيه دار جينلينغ للطباعة والنشر البوذية شابين من مواليد تسعينات القرن الماضي. هما مثقفان ومتحمسان للغاية لتعلم حفر سوترا. آمل أن يثابرا على إتقان الأسلوب، ويصبحا وريثين قديرين في الدار لأعمال حفر نصوص سوترا وتقنية طباعتها". لقد ساهمت سنوات العمل الدقيق والشاق في النقش في جعل السيد ما هادئ الطباع. كل ما يمكنه القيام به حاليا هو حماية الألواح الخشبية والحفاظ على هذه النصوص البوذية الكلاسيكية من أجل الأجيال القادمة.
| ||||
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved. 16A Shijingshan Road, Beijing, China. 100040 |